كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يقول اللّه تبارك وتعالى أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي.
وروى الطبراني بسنده عن سعيد بن جبير مرسلا قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أولياء اللّه تعالى فقال هم الذين إذا رئوا ذكر اللّه.
وعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن من عباد اللّه لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من اللّه، قالوا يا رسول اللّه تخبرنا من هم؟ قال هم قوم تحابوا في اللّه على غير أرحاء بينهم ولا أموال يتعاطونها، فو اللّه إن وجوههم لنور، وأنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ هذه الآية- أخرجه أبو داود- وروى البغوي بسنده عن ابن مالك الأشعري قال: كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن للّه عبيدا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من اللّه يوم القيامة، قال وفي ناحية القوم اعرابي فجثى على ركبتيه، ورمى بيديه، ثم قال حدثنا يا رسول اللّه عنهم من هم؟ قال فرأيت في وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم البشر، فقال هم عباد من عباد اللّه ومن بلدان شتى وقبائل شتي، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح اللّه، يجعل اللّه وجوههم نورا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون.
وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «قال اللّه تعالى: المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء».
واعلم أن الولي أخذ لفظه من الولاء، وهو القرب والنصرة، قولي اللّه هو الذي يتقرب إليه تعالى بكل ما افترض عليه، ويكون مشتغلا باللّه مستغرق القلب في معرفه نور جلال اللّه، فإن رأى رأى دلائل قدرة اللّه، وإن سمع سمع آيات اللّه، وإن نطق نطق بالثناء على اللّه، وإن تحرّك تحرك في طاعة اللّه، وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى اللّه، لا يفتر عن ذكره ولا يرى بقلبه غيره، فإذا كان العبد كذلك كان اللّه وليه وناصره ومعينه، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية 257 من سورة البقرة في ج3، فعلى هذا يكون العالم العامل هو ولي اللّه، وغير العامل هو الأحمق الخاصر، فقد جاء بالخبر ويل للعالم من لاتباع، وقال صاحب الزيد:
وعالم بعلمه لم يعملن ** معذّب من قبل عابد الوثن

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ} الآية 22 من الجاثية الآتية.
هذا ومعنى المتقي من اتقى كل ما نهى اللّه عنه، وأكبر من التقوى الورع، والورع من اتقى الشبهات وترك الحلال مخافة الوقوع بالحرام.
روى البخاري ومسلم عن أبي عبد اللّه النعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى اللّه محارمه.
فيجب على المتقي الورع أن يجتنب الحريم والمحرم لأن المحرم حرام لعينه، والحريم محرم، لأنه يت؟ رج به إلى الحرام، فمن كانت هذه صفاتهم.
{لهُمُ الْبُشْرى} بالنجاة من كل سوء والفوز بكل حسن.
{في الْحَياةِ الدُّنْيا} قال أكثر المفسرين البشرى في هذه الآية الرؤيا الصالحة الصادقة، أخرج الترمذي عن عبادة ابن الصامت قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرى} قال هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له.
وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا وما البشرات؟ قال الرؤيا الصالحة.
وروى البخاري ومسلم عنه أيضا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
هذا لفظ البخاري ولمسلم إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
والرؤيا ثلاث: رؤيا صالحة بشرى من اللّه، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه، ولا يحمل معنى الآية إلا على الأولى، وهذه الأحاديث تأكيد للرؤيا وصدقها.
ومعنى أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو أنه صلى اللّه عليه وسلم أقام في النبوة يوحى إليه ثلاثا وعشرين ستة، كان في بدايتها ستة أشهر يرى الوحي في النام، فتكون مدة الرؤيا الصادقة جزءا باعتبار كل ستة أشهر جزءا من ستة وأربعين جزءا، وهذه أصح من رواية خمس وأربعين إلخ، وفي رواية ست وسبعين وغيرها لانطباقها على المعنى دون كسور ما.
هذا، وقيل إن البشرى هي الثناء الحسن في الدنيا والجنة في الأخرى، أخرج مسلم عن أبي ذر قال: قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه، قال تلك عاجل بشرى المؤمن، قال العلماء هذه البشرى المعجلة له بالخير في الدنيا دليل للبشرى المؤجلة له في الآخرة المشار إليها بقوله تعالى: {بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} الآية 12 من سورة الحديد في ج3، وهذه البشرى المعجلة دليل على رضاء اللّه تعالى عنه ومحبّته له وتحبببه إلى خلقه، وقال الزهري وعطاء وابن عباس وقتادة: هي نزول الملائكة بالبشارة من اللّه عند نزول الموت بدليل قوله سبحانه: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} وتقول لهم {أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا} من هول القبر والقيامة {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} الآية 37 من فصلت الآتية، وفي الآخرة أيضا بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى اللّه ويبشر برضوان اللّه.
وقال الحسن هي ما بشر اللّه به المؤمن في كتابه من جنّته وكريم ثوابه يدل عليه قوله تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ} ولا إخلاف لمواعده التي وعد بها عباده المخلصين العارفين في كتابه وعلى لسان رسله ولا تغيير لشيء من {ذَلِكَ} أي تبشير المؤمن بما فيه سعادته في الدارين {هوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا أعظم منه، وهذه الآيات الثلاث واقعة كالمعترضة بين ما قبلها وهو {وَما تَكُونُ} إلخ، وبين ما بعدها وهو {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} في شأنك من التخويف والتهديد ولا يسؤك تكذيبهم وتعزيزهم بكثرة الأموال والأولاد {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} فالغلبة والقهر على الأعداء بالقدرة من خصائص اللّه تعالى لا يملكها أحد غيره، فهو الذي يعز من يشاء وحده لا شريك له ولو لم يكن لديه قوة ومنعة، ويذل من يشاء ولو كان ذا قوة ومنعة، وأنت ممن شاء عزّك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} الآية 21 من المجادلة في ج3، وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية 9 من سورة المؤمن الآتية، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} الآية 8 من سورة المنافقين في ج3، وقال تعالى: {كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الآية 45 من سورة الروم الآتية، وقال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} الآية 17 من الصافات الآتية، ولهذا فإنه تعالى قادر على سلبهم ما يتعززون به عليك بإهلاك أموالهم وأولادهم وذوبهم وإدلالهم وإهانتهم وإظهار عزك عليهم بالنصر و{هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالهم ودعائك {الْعَلِيمُ} بنواياهم وأحوالك، والدليل على أن الآية السابقة معترضة الالتفات إلى الخطاب لتكون معطوفة على {وَما تَكُونُ} التي هي خطاب لحضرة الرسول أيضا، والحذف أي لو حذفتها ووصلت ما قبلها بما بعدها لصح المعنى شأن الآيات المعترضة والآيات المدنية بالسور المكية وبالعكس، إلا أنه لا يجوز بوجه من الوجوه حذف شيء من ترتيب القرآن بالقراءة للوصل المذكور ولا لغيره قطعا، ويحرم إلا الاتباع لما هو محرر في المصاحف لا تبديل لكلمات اللّه.
قوله: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} كل آية تصدّر بأداة التنبيه كهذه فيها تنبيه للسامع على النظر لمعناها ومغزاها، فهذه تنبه القارئ أن لا ملك لأحد في هذين الهيكلين العظيمين وما فيهما إلا اللّه، وأن كل من يدعي العزّة على غيره ولم يرد اللّه عزّه لا ينالها، لأنه جل شأنه لا يسخر أحدا له مما بين السماء والأرض ينصره ويقويه، وإذا علم هذا فكل أحد ذليل إلا من أعزه اللّه، وكل أحد ضعيف إلا من قواه اللّه، وكل أحد مهان إلا من أكرمه اللّه، فمن أراد عزّه سخر له ما يدعو إلى ذلك من خلقه الذين هم في السموات والأرض، فيكون عزيزا بعزّة اللّه، ولا تكرار في هذه الآية لأن الآية المتقدمة عدد 55 جاءت بلفظ {ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} إلخ، وكذلك الآية الآتية عدد 68 وكل ما صدر بما يكون لغير العاقل غالبا، وما صدر بمن يكون للعاقل، فيدل مجموع الآيات على أنه تعالى مالك جميع ما ومن في السموات والأرض العاقل وغيره، النّامي والجامد وغيرهما من كل ما يطلق عليه جماد وحساس، وإذا كان العقلاء في ملكه فلأن يكون غيرهم في قبضته من باب أولى، وإذا علمت هذا ظهر لك أن ما يعبده المشركون من الأوثان في ملكه وتحت تصرفه، فجعلها شركاء له معبودة من دونه من القدح بمكان بالنسبة لمقام الربوبية الفردة الحقة.
قال تعالى: {وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ} مفعول يدعون قبله، ومفعول يتبع مقدر تقديره شيئا غير أهواءهم وتسميتهم لأن شركة اللّه تعالى في ربوبيته محالة، وهذا على أن ما في يتبع نافية وهو الأولى في المقام والأنسب في المعنى، وقد ذكر صاحب الجمل رحمه اللّه وجوها أخرى في معنى ما، وتفسير هذه الآية.
وجعل الشربيني عفا اللّه عنه مفعول وما يتبع الذين يدعون من دون اللّه شركاء شركاء أيضا، وصدر قوله هذا بقوله: {وكان حقه وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ} شركاء وأراه متجاوزا في قوله هذا، لأن الحق ما قاله ربه لا ما جرى عليه هو وغيره، راجع الآية 5 من سورة الحج والآية 108 من سورة التوبة في ج3، وهو خلافا لما جرينا عليه من أن مفعول يتبع الذي قدرناه تبعا لغيرنا {شيئا} إذ يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ} أي ما {يَتَّبِعُونَ} في الحقيقة {إِلَّا الظَّنَّ} على توهم شفاعتها لهم {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} يحزرون ويقدرون شركة اللّه تعالى تقديرا باطلا وكذبا محضا، فتبّا لما يتبعون، وتعسا لما يزعمون، وقبحا لما يفعلون، ويؤسا لما يكذبون، وإفكا بحتا لما يفترون.
ثم نبه جل شأنه على عظيم قدرته وشمول نعمته وأنه الذي يستحق العبادة وحده بقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} فتستربحوا من أتعابكم التي قاسيتموها في النهار {وَالنَّهارَ} جعله {مُبْصِرًا} لتنصرفوا فيه إلى أعمالكم وتأمين معاشكم والنهار يبصر فيه لا يبصر هو إلا أن معناه مفهوم في كلام العرب فخاطبهم بلغتهم، قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ** ونمت وما ليل المطي بنائم

أضاف النوم إلى الليل ووصفه به وعنى نفسه ولم يكن هو نائما ولا بعيره، وهذا من باب نقل الاسم من المسبب إلى السبب، قال قطرب تقول العرب أظلم الليل وأبصر النّهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء {إِنَّ فِي ذلِكَ} السكون ليلا والاشتغال نهارا {لَآياتٍ} من آيات اللّه الكثيرة الدالة على انفراده بالإلهية واستحقاقه وحده للعبادة وعبرة {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سماع قبول واعتبار وتدبر وتذكر لينتفعوا بها ويتعظوا فينتبهوا وينتهوا عما يقولون {قالُوا} أولئك المشركون بعد هذه الدلائل المبرهنة على التوحيد {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} من الملائكة وسموها بنات اللّه، تعالى عن ذلك، وهذا فضلا عن وصمهم عزّته بالشريك من الأوثان وقد خصوا الإله بالبنات وهم لا يرضونهن لأنفسهم {سُبْحانَهُ} تنزه عن ذلك وتبرأ من أن يكون له ولد {هُوَ الْغَنِيُّ} عن جميع خلقه، والولد إنما يتخذ للحاجة ليتقوى به على غيره، ويستعين به لحوائجه، ويستعز به لذله، ويتشرف به لهوانه، ويتلذذ به لشهوته، وكلّ ذلك من أمارات الحدوث وهي عليه محال، وهو منزه عن ذلك كله، وكيف يتخذ ولدا وهو {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} ملكا وعبيدا، والكل في تصرفه وهو خالقهم ومحدثهم من العدم، وهم محتاجون إليه في كل أمورهم مع غناه عنهم، ولما نزه جلّ شأنه نفسه المقدسة عن الولد عطف على من قال ذلك بالإنكار والتوبيخ والتقريع فقال عز قوله نافيا صحة ذلك {إِنْ عِنْدَكُمْ} أيها المفترون {مِنْ سُلْطانٍ بِهذا} الذي اختلقتموه أي ما عندكم عليه حجة ولا برهان به البتة، ثم تابع بالإنكار عليهم بقوله: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} حقيقته وتضيفون إليه ما لا صحة له، وهو المبرأ من كل نقص المنزه عن كل شريك فكيف تجوزون نسبة ما لا تجوز نسبته إليه تعالى، وهذا جهل مركب منكم أيها لمختلقون لا يستند إلى برهان، ولا يعتمد على دليل ولا مادة، فيا أكرم الرسل {قُلْ} لأمثال هؤلاء {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ويقولون عليه الباطل وينسبونه إلى ما لا يليق بجنابه {لا يُفْلِحُونَ} في الدنيا أبدا، ولا ينجون من عذاب الآخرة، وعذاب القبر، ولا يفوزون بريح الجنة، ولا يسعدون السعادة الطيبة وإن اغتروا بطول العمر والسلامة من الأمراض في الدنيا والبقاء بنعيمها الزائل والتمتع بعلو المناصب والجاه، لأن هذا كله {مَتاعٌ} قليل زائل يتمتعون به في حياتهم ويقيمون به رياستهم ويرفعون به صيتهم ويتظاهرون به على المؤمنين ويناصبونهم العداء وينشرون عليهم سطوتهم {فِي الدُّنْيا} فقط لا يدوم لهم ذلك ولا ينتفعون به في الآخرة، بل يكون عليهم وبالا فيها {ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ} بالموت {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ} بعد الموت وفي الآخرة بعد الحساب على ذلك وغيره ونعذبهم {بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} نعمنا ولم يستعملوها لما خلقت لها كما أنهم لم يستعملوا جوارحهم لما خلقت لها.
هذه نبذة من أحوال قريش قومك يا محمد، قصصناها عليك وها نحن أولاء نقص عليك من أحوال الأنبياء قبلك وما لا قوه من أقوامهم كي تذكره لهم، وتسلي نفسك بما وقع لهم من أقوامهم.
قال تعالى: {وَاتْلُ} يا محمد {عَلَيْهِمْ} أي قومك {نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} هم بنو قابيل أول رجل أهرق الدم على وجه الأرض وسن القتل الذي لم يعرف قبل، إذ قتل أخاه هابيل وعصى أباه، كما ستأتي قصتهما في الآية 27 من سورة المائدة في ج3.